خسرت المدارس والثانويات الرسمية في العام الماضي أكثر من 60 الف تلميذ وتلميذة. انتقل قسم منهم إلى مدارس خاصة متواضعة أو تجارية أو مؤسسات لدى جمعيات أهلية وطائفية مدعومة استوعبتهم، والبعض الآخر تسرب إلى الشارع بلا تعليم. الهجرة المعاكسة كانت بسبب الحالة المزرية التي يعانيها #التعليم الرسمي الذي أصبح الحلقة الأضعف في بنيان التعليم ال#لبناني، وذلك بعدما تعطّلت الدراسة العام الماضي لنحو 4 اشهر بسبب مقاطعة المعلمين الذين استمر معظمهم في الإضراب طلباً لبدل النقل والمنحة الاجتماعية. لحقت وزارة التربية الوضع وتمكنت في أذار الماضي من تأمين حوافز ومنح للمعلمين وفرضت التعليم الحضوري لتعويض الفاقد وتمكنت بالحد الادنى من انهاء العام الدراسي بأقل خسائر واجراء الامتحانات بعد تقليص المحتوى التعليمي وحذف مواد من المنهاج.

لم يجمع التعليم الرسمي في العام الماضي الا نسبة اقل من 25 في المئة من تلامذة لبنان، فيما الخاص غير المجاني، والمجاني استوعبا 75 في المئة، علماً أن في لبنان بحسب احصاءات المركز التربوي للبحوث والانماء للعام الدراسي 2020 – 2021، 1053956 تلميذاً، بينهم 8.21 تلميذ سوري و4.7 فلسطينيين، و1.8 من جنسيات مختلفة. خسارة التلامذة أكدتها أرقام المركز التربوي في نشرته الإحصائية الأخيرة للعام 2021-2022، إذ تراجع عدد التلامذة في التعليم الرسمي بنحو 40 ألفاً، كما تراجع عدد الأساتذة بنحو 2400 أستاذ. والسبب هو التراجع في فاعلية التعليم وتخلي الدولة عن رعايته واستمرار الإضرابات والمقاطعة المفتوحة.

الازمة لا تزال مستمرة على الرغم من بدء السنة الدراسية عبر التعليم الحضوري، فمقاطعة المعلمين التي حدثت مع بداية السنة والامتناع عن التسجيل دفع بعدد من أولياء التلامذة خصوصاً في الثانوي إلى تسجيل أبنائهم في الخاص، ولذا خسرت المدرسة الرسمية النسبة ذاتها للعام الماضي. ففي مطلع تشرين الاول الماضي لم يكن قد تسجل في الرسمي بمرحلتيه الأساسي والثانوي سوى 160 ألف تلميذ، وارتفع العدد إلى نحو 240 الفاً ما يعني أن الخسارة واقعة رغم كل الجهود المبذولة من التربية، علماً أن التسجيل لا يزال مفتوحاً لاستيعاب أعداد إضافية من التلامذة.

أبرزالتحديات التي تواجه القطاع اليوم هو في استعادة حيوية التعليم وانتظام الدراسة للتعويض عن السنوات الماضية، وهذا يشترط أوضاعاً مستقرة والتزاماً من المعلمين في مختلف فئاتهم بالتدريس وحماية التعليم الرسمي منعاً لمزيد من إضعافه واستمرار استخدامه كمكان للتنفيعات والتوظيف السياسي. والاستقرار يعزز فرص استجلاب الدعم من الجهات المانحة ويدفع المعنيين مضطرين الى تقديم العطاءات والاهتمام بالمدرسة الرسمية.

هناك تراجع في أعداد التلامذة في المدارس الرسمية في غير منطقة لبنانية، وقد يؤدي هذا الامر إلى إفراغها إذا حدثت اضطرابات في المسار التعليمي، إذ أن #المدارس الخاصة المنتشرة كالفطر تتحين الفرص لاستقطابهم وتقدم تسهيلات وحسومات كبيرة على الأقساط، فيما الأهالي يعانون من كلفة النقل المرتفعة، إضافة إلى المخاوف من عدم انتظام الدراسة ما لم يحصل الاساتذة على الحوافز الامر الذي يحمل المعلمين مسؤولية الموازنة بين المطالبة بحقوقهم وبين حماية التعليم واستمراره، فالمقاطعة المفتوحة لم تعد تجدي أمام الأزمة التي لا تطال رواتب المعلمين فحسب إنما تعصف ببنية التعليم الرسمي نفسه. وترتفع المخاوف من تراجع المستوى وتراكم المشكلات بما يؤدي الى الغاء العديد من عقود الاساتذة. يمكن تجنب الكارثة بالتصميم على انجاز عام دراسي سليم والتعويض كي لا نردد يوماً أن “التعليم الرسمي مر من هنا”.